مدونة الوادي

الثلاثاء، 9 ديسمبر 2014

الرجال المحتاجون يشكل مرتزقة جيدين


في عمل طويل ومهم درست الباحثة shelagh Weir السياسة والقانون في جبال اليمن. نشر العمل 2007 عن مطبعة جامعة تيكساس، ولم يترجم حتى الآن. في دراستها للدولة الزيدية، الإمامية، قالت "شيلاغ واير" إن الإمامة كانت تقيم في المناطق الآمنة بالقرب من الجبال، وتحيط نفسها بالقبائل. كانت تشتريهم بالأرض أو المال أو التلويح بالخيارات الأسوأ. وكانت محاطه بأهم قبيلتين يمنيتين: حاشد وبكيل.
وهما قبيلتان تعيشان على الدوام في وضع اقتصادي صعب ومحبط الأمر الذي سهّل على الإمامة الزيدية، تاريخياً، أن تجعل منهم مرتزقة.
تصل شيلاغ واير إلى استخلاص صاعق:
needy men make good mercenaries
الرجال المحتاجون يشكل مرتزقة جيدين.
وأن هذه الظاهرة قابلة للتكرار، أو الاستمرار.
اقتربت الباحثة من الإمام الهادي منذ عشية وصوله صعدة قادماً من الحجاز. درسته، معتمدة على دراسات سابقة للباحث مايسنر، لتصل إلى استنتاجها الرياضي الحاسم: منذ البداية قال الهادي إن سلالة النبي أشراف، وأن عليهم أن يكونوا أهل علم. وبطموح سياسي متبجح Vaunting political Ambition دون الهادي مذهبه القائم على أساس إن السيد العالم لا بد أن يكون أيضاً هو القائد السياسي للمجتمع المسلم شريطة أن يكون "مجاهداً ومجتهداً، ينزع السيف والقلم في الوقت ذاته".
وأن مذهب الهادي يعتمد، بصورة جوهرية، على الفكرة نفسها. فهو يرفض أن تعيش سلالة النبي كمواطنين ضمن دولة لا يحكمونها. أما الشعب، في التصور الهادوي، فهو إما رعايا أو حلفاء. وعبر "الولاء مقابل إطلاق اليد" عاش الإئمة مئات السنين مؤسسين لحقب طويلة من الظلم والفساد. فقد كان يكفي أن تقول نعم للإمام وتفعل بعد ذلك في مواطنيك ما يحلو لك.
الكتاب عميق ومهم، وأنا أمر عليه حالياً لا لأجل أن أتعرف على خصائص الرجال المحتاجين المرتزقة، ضمن التاريخ، بل بحثاً عن "شخصيات" عمل روائي قيد الكتابة، ضمن العناصر الستة للدراما، طبقاً لأرسطو.
إلخ إلخ ..
نهاركم سعيد..
م. غ.

بئر برهوت



المهم يا جماعة أمس أحس أحدهم بالضجر، راح اكتشف لغز الكون. آه والله، لغز الكون.
محرر المشهد اليمني، موقع إعلامي، أعد تقريراً دسماً عن بئر برهوت في أرض حضرموت. قال إنه المكان الذي تأوي إليه أرواح الكفار. بس ما قالش من الساعة كام للساعة كام. وهل الروس والأميركان، والا بس كفار الزمانات زي قريش والبحرين.
وأنه بئر حفرته الجن في غابر الأزمان لملك حميري علشان يخبي كنوزه. يعني كانت حضرموت في غابر الأزمان تتبع الجمهورية العربية اليمنية، بس الموقع لم يحدد طبيعة الكنوز اللي حفروا لها بئر عرضه مائة متر وعمقه ميتين وخمسين. وهل حفروه بملاعق قاسم الريمي والا صابونة أبو علي الحاكم؟
باستدراك مبهر قال معد التقرير إن ثمة ما هو أهم من البئر والجن والكنوز، فالقيامة تقوم من بئر برهوت في حضرموت.
أي انهيار الكون.
يعني الكون كله سيبدأ انهياره من بير برهوت. الكون كله، يعني المجرة تبعنا ومليارات المجرات ونادي التلال وعوض بن مبارك، وقنينة أحمد الصوفي لو لسه فاكرينها، وكل الكون، كل الكون.
يعني الكون مركزه بير برهوت، يعني حضرموت. والموقع تابع لجلال هادي، يعني تقريبا بديت افهم ليش يشتي حضرموت إقليم مستقل، عشان لما تنهار نتأخر إحنا شوية بسبب الإجراءات الإدارية واللوائح المنظمة لكل إقليم. وعشان الوالد اللي يصحى متأخر ثلاثة العصر يكون استحمى وجهز شنطته.
في مقدمة كتابه "تاريخ موجز للزمن" ذكر عالم الرياضيات الأشهر ستيفان هوكينغ محاججة امرأة عجوز لبرتراند راسل 1973 عن الكون. قالت له إن الكون كله يرسو على ظهر سلحفاة. وأن كل سلحفاة تقف على أخرى.
بلا سلحفاه بلا كلام فارغ. الكون رايح على بير برهوت. برهوووووووووت.
برهوت أنا برهوت

يا عفريت إنت يا بو قميص كاروهات مفتوح من فوق.
ربنا كبير.
خربانة خربانة، مجتش عليك يا برهوت
هههههههه
الأحد، 7 ديسمبر 2014

وجه السيد


لا جديد في الأمر، الحوثيون يطلون بوجههم القذر كالعادة. حتى إن أكثر الحوثيين ادعاءً للفضيلة أصدروا وعداً صارماً بالكشف عن مسرّب الفيديو، لا لإدانة الجريمة. تمثّلت الجريمة لدى الحوثيين الناعمين في التسريب، لا في اقتحام المنازل وتفجيرها. بينما يرى الحوثيون الخشنون أن الجريمة أسوأ من ذلك "فنحن مخترقون من قبل شخص سرّب الفيديو". يجري البحث حالياً عن مسرّب الفيديو، وسيعثرون عليه، وهذه مواصفاته:
هو ذلك الشخص الذي لا علاقة له بالمهمة التي نفذها شخص آخر طبقاً للتعليمات!
وجه السيد وحده يعرف أن الفعل كان مقصودا، ومدروسا.
لا يملك الحوثيون تعريفاً للأخلاق، ولا للإرهاب. يستطيع عبد الملك الحوثي أن يخطب ألف ساعة متواصلة من جحر الضب، وكالعادة سيتحدث عن أميركا التي لا يعرف عنها شيئاً، وعن إسرائيل الملعونة، تلك التي تتفوق عليه في أخلاقيات الحرب والسلم. وكالعادة سيعجز عن صياغة عشر كلمات تعرّف الإرهاب، أو الفضيلة. في السابق كنتُ أحذر من دخول الحوثي إلى صنعاء فهو رجل لا يعرف عن الرياضيات شيئاً، ولا عن الفيزياء والشعر. بيْدَ أن الأمر كان أكثر فداحة من كون الرجل لا يعرف الفيزياء، فهو لا يدرك ماهية الأخلاق. يقول إنه ابن الله، فهو يعتقد أن أول ما خلق الله نور محمد، وأنه من ذلك النور. يخرج من نور في الخرافة أو من خرافة حول النور ثم يعشو في ظلام دامس. يعرف ما يريد ولا يعرف عن ما الذي يريده الله. ومن سيرة جدّه النبي فالحوثي لا يقرأ سوى الدقائق الثلاث الأخيرة عندما لفظ النبي أنفاسه واجتمع ثلّة من المسلمين في سقيفة! لذا تبدو طبيعة هذا الرجل، فلسفته، سلوكه وبنيته النفسية منفصلة عن كل نظام للقيم أو المرجعيات. وهذا ليس بمستغرب من رجل قضى كل حياته في جحر الضب.
وفيما يخص إسرائيل والحوثيون فهما "دولتان" خارجتان من جيتوهات اختياريّة، مسكونتان بأوهام مقدسة متوحّشة وتعتقدان أن الله خلقهما أولاً ثم لأجلهما خلق العالم. وإذا كان هناك من أمّة تشبه في طبيعتها المادية والذهنية والتاريخية الأمّة اليهودية فهي الأمة الحوثيّة، بنظامها النفسي والعقدي الاصطفائي والشاك. غير أن الأمة اليهودية تحاول أن تفلت من لعنتها، المتمثّلة في الكتاب المقدس، عبر العلم والديموقراطية.
لكن عبد الملك الحوثي لا يزال في جحر الضب. إنه لم يسمع قط عن العلم، ولا عن الديموقراطية. لم يسبق أن بعث الحوثي رجلاً ليجلب له كتاباً لمحمود درويش، أو مقالة لإدوارد سعيد. من هو إدوارد سعيد، في الأساس؟ لقد غرق الحوثي منذ الأزل في تلك الكتاب اليابسة التي سيسميها الفقه، ووقعت عينه على الكنز: الآخرون سرقوا ملكك، الآخرون هم الجحيم. خارج هذا اللون من الفقه ـ وهي كلمة مشتقة من الفقء، طبقاً للغويين ـ فلا شيء يثير شهية الحوثي ولا اهتمامه. طلع من الدلجة يبحث عن زمانه الضائع، ويتعاقد مع الإله: باركني أيها الربّ في المساء وسأعيد لك نقيل يسلح غداً. وسيكون الربّ مسروراً، يعتقد الحوثي، لأنه أضاف إلى مملكته العظيمة ـ التي لا تدركها الأبصار ـ نقيل يسلح. يقول المسلم اليمني إن الله كل يوم هو في شأن، ويقول الحوثي بل عينه على نقيل يسلح والنجد الأحمر. لا يوجد، في اعتقادي، ملحد يهين الإله كما يفعل الحوثي.
في المجمل فإن الحوثيين لا يهينون سوى الإرهابيين والفاسدين. أما الإرهابيون والفاسدون فهم أولئك الذين تجرّأوا على قول كلمة لا، باللهجة اليمنية.
قبل عامين من الآن قتل مرافقو شيخ إصلاحي شابين من عدن. وكان الإصلاح يعيش أفضل حالاته على الإطلاق، وكنتُ عضواً فيه وبمقدوري أن أتسلق على كتفيه كما يحلو لي. لم يفهم الإصلاح الرمزية المدمّرة للجريمة. تعامل معها بتعالِ، وأصدر بياناً يدين فيه عملية حمل السلاح إجمالاً. أما الشيخ الإصلاحي، المسؤول المباشر عن مرتكبي الجريمة، فقد ظهر إلى العلن للمرة الأولى والأخيرة ليقول في بيان شديد الورع إن الشابين ارتكبا "خطأ فادحاً" استوجب عقاباً أقل من القتل! كان الشابان قد مرّا أمام موكب عروس، واستعرضا وسامتهما المغدورة. كنت مأزوماً داخل الحزب، ومكروباً وجاءت تلك الجريمة لتكشف بجلاء حجم التناقض العاصف داخل بنية الحزب. "لا بد أن أضع حدّاً لكل ذلك" قلتُ لنفسي، ثم كتبتُ الصفحات الأولى من كتاب "هيلين". وفيه قلتُ لابنتي وكانت لا تزال في شهرها الجنيني الرابع "عندما تبلغين من العمر ثمان سنوات، إذا كان أبوك لا يزال عضواً في هذا الحزب فأرجوك القِ بهذا الكتاب في الزبالة".
ولأنها بلدة غريبة الأطوار فقد اكتشف كثيرون عضويتي في حزب الإصلاح يوم استقالتي منه. ومنذ ذلك الحين وهم يعتقدون أني عضو في الحزب. في كل مكان في العالم يقف الرجل ويقول "أنا عضو في الحزب الفلاني". في اليمن تجري الأمور على نحو مختلف: يأتي مجموعة من الناس، يلقون عليك التحية ثم يضعون بطاقة الحزب في جيبك وينصرفون. غير أن المشهد الكوميدي هذا لا يكتمل سوى عندما تراهم مقتنعين كلّيّاً أنك بالفعل عضو في الحزب لمجرّد أنّهم وضعوا بطاقته في جيبه. أنت لا تعلم عن عضويتك التي يتحدثون عنها، ولا الحزب، لكنهم يعلمون! لا ينطبق الأمر على الإصلاح وحسب، بل على كل الأحزاب والجماعات. هناك اشتراكيون لا يكفون عن القول إنهم ليبراليون، وعفاشيون يعتقدون إن صالح هو نجم المأساة المعاصرة، وحوثيون لا يحتقرون أحداً كالحوثي، وتكفيريون يمارسون العادة السرّية على الواتس أب ولا يذهبون لصلاة الجمعة.
جاء الحوثي من جحر الضب. لم يتعلم الأخلاق، ولا يعرف الشكل الذي يمكن أن تكون عليه دالة الأخلاق. بالنسبة له فالأخلاق منحصرة في أمور بسيطة: ألا يسب أحداً بأمّه أمام الناس، ولا يخرج مع ابنة عمّه إلى الجبل، ولا يضع يده على مؤخرة الخادمة ولا ابنتها. هذه ليست كل الأخلاق وحسب، بل هي أيضاً كل الفقه الذي يعرفه عبد الملك الحوثي. فالرجل لا يعرف عن أخلاق الحروب، ولا أخلاق التعاقدات شيئاً. يتفق مع الرجل في المساء ثم يغدره قبل طلوع الشمس. يهزم القبائل ثم يفجّر منازلهم. يقتحم الحريم، جناح النساء، ويطردهنّ وهو غاض بصرّه. ثم يفجر منازلهن ويتركهن في العراء. لا ينس أن يصدر أوامره الصارمة لجنوده بأن لا ينظروا إلى وجه امرأة من اللاتي تركهن بلا عائل ولا منزل. فقد علمه الإسلام أن النظر إلى وجه المرأة معصية تستوجب العقوبة في الآخرة.
قرأت لفتاة منكوبة قالت إنها رأت مسلّحي الحوثي في غرفة نوم بعض أقاربها. كانوا مخزنّين على سرير النوم المغطّى بملاءة رقيقة بيضاء، وعليها قطعة قماش وردية دائرية الشكل. في الصورة التالية كانت القطعة الوردية قد اختفت، وبقي المخزنون. وفيما يبدو كان أيضاً وقت الصلاة قد مرّ.
اقتحم الحوثيون مؤخراً منزل صادق الأحمر. أجلسوه على كرسي والتقطوا له صوراً. لم يبد على وجه صادق الأحمر أنه يشعر بالذل، لكنه كان مرتبكاً بعض الشيء. في الواقع بدا كأنه متصالح مع اللحظة، محايداً مع نفسه، وكأنه أراد أن يقول "أروني من فيكم الرجل الذي بقيت له كرامة حتى يسخر منّي".
كالعادة، الحوثيون لم يسقطوا أخلاقياً، فالواقع إنهم لم يعرفوا قط ما هي الأخلاق. لم يتوقعوا أن تثير صورة الشيخ المهزوم عاصفة من الاستنكار والشفقة والتعاطف. سيحاولون لملمة الجريمة وسيفشلون. فلا يبدو حتى الآن أنهم عرفوا أين تكمن الجريمة. بالنسبة لهم فلا توجد مشكلة في اقتحام المنازل وغرف النوم وتدميرها بعد ذلك، ولا في دفن الأطفال القتلى في أكوام جماعية دون إعلام أهاليهم "راجع تقريراً لصحيفة المصدر". لم يستطع الحوثي حتى الآن أن يكتشف الأخلاق، وفي هذا الموضوع يناور سياسياً. يمارس الجرائم على نطاق واسع، وإذا ارتفعت الأصوات لجريمة ما سيتراجع قليلاً ويعلن براءته منها. فهو شخصياً ـ أي عبد الملك الحوثي ـ ليس لديه تعريف واضح للجريمة، ولا للرذيلة. في جحر الضب علموه أن الجريمة فقط أن لا تضع يدك على مؤخرة ابنة عمّك. خارج ذينك الطبقين نصف الدائريين لابنة العم لا توجد جريمة، ولا عقاب.
ففي يريم قتل الحوثيون طفلاً في الرابع عشرة من عمره وفخخوا جسده بالديناميت. وفي البيضاء قال مواطنون، بحسب صحيفة المصدر، إنهم فروا من منازلهم لأن الحوثيين قاتلوهم بخطة الأرض المحروقة، وأن المنازل والجدران تساقطت فوق رؤوسهم بلا رحمة. وفي حجّة، بحسب منظمة وثاق، فجروا منزلاً لشيخ قبلي فسقط على رؤوس أكثر من 13 امرأة وطفلاً. وفي قيفة خرج شاب في الخامسة عشر من عمره وفجّر نفسه في دبابة حوثيّة كانت تقصف منازل أعمامه! لم يسبق أن سجّل مثل العمل الفدائي سوى مرّات قليلة في الأراضي المحتلة. قلتُ في السابق إن الحوثية هي النظير التام لليهودية الصهيونية، لكنها أقل خيالاً من الصهيونية، خيالاً وعلماً وأخلاقاً.
مؤخراً انطلق الناشطون على الفيس بوك في هاشتاغ "وجه السيد كطيزه". قال المقتحمون لصادق الأحمر إن عليه أن يشعر بالأمان لأنه في وجه السيد. وهي جملة لا تعني سوى شيء واحد “إن وجه السيد عبد الملك الحوثي هو القانون والأخلاق والدستور والأعراف والماضي والمستقبل والسرّاء والضراء والأول والآخر والظاهر والباطن والخير والشرّ والمنح والمنع والعزة والذل ... إلخ"
وجه السيد هو الله. هذا ما يريد الحوثيون أن يقولوه لنا. غير أن الشباب اليمني الجديد قال إن وجه السيد هو طيزه.
لا وجه السيد هو الله، ولا هو طيزه. وجه السيد عبد الملك الحوثي هو عبد الملك الحوثي. ذلك الرجل الذي يدفن جرحاه ويفجر المنازل على رؤوس النسوة والأطفال ولا يعرف عن قداسة الإنسان ومجده وكرامته شيئاً.
قبل أن أكتب حرفاً واحداً ضد الحوثية ذهبتُ أدرس الطريقة التي يفكّر بها الحوثي وجماعته. ثم قلتُ دفعة واحدة إن هذا المعتوه كارثة على الوطن، والسلم الأهلي، وعلى المستقبل. إنه يخلق كل تلك الأسباب التي ستجعل من الاستقرار الاجتماعي أمراً بعيد المنال. فهو يصنع ذلك النوع من الجراح الذي لا ينفع معه الضماد، ولا مسكنات الألم. فهو لا يلحق الهزائم بخصومه وحسب، بل الثارات. يحوّل خصومه اليمنيين من مهزومين إلى منكوبين، ومن منكوبين إلى هامشيين. ثم يوغل في سحقهم حتى يلغي كرامتهم ويحوّلهم إلى تائهين بلا أمل. بعد ذلك يساومهم على أن يشتريهم كعبيد، مقابل منحهم الأمن أو الحق في الحياة.
بمعنى ما فالحوثي يخلق كل تلك الشروط التي ستبقيه في جحر الضب إلى الأبد.
كان جدّه الإمام الحمزة قد قال لمعاتبيه "لقد قتل جدّي الإمام علي في ساعات ثلاثين ألف مسلم منهم من شهد بدراً فما بالك بهؤلاء الأوباش" وكان يقصد قتلاه من اليمنيين.
وإذا كان التاريخ يعيد نفسه مرّتين، كمأساة وكمهزلة، كما يقول ماركس، فإن المأساة والمهزلة أصبحتا جزءً من الماضي.
بقيت المرّة الثالثة التي لن يعيد فيها التاريخ نفسه.
م. غ.

أنتَ معني بهذا الحديث "عن الحياة العلمانية، عن الحياة الجديدة"


واجه الشاب العبقري سبينوزا، الذي سيموت قبل أن يكمل عامه الأربعين، معضلة حادة مع الكنيسة وأمته المسيحية. في الأخير توصل إلى استنتاج رياضي حاسم "نعم، لقد خلق الله العالم ولكننا نسيّره".
كانت الحروب الدينية قد أكلت وجه أوروبا. في مرّة طلب ملك فرنسا، وكان كاثوليكياً، أن تنحت على العملة صورة لمسيحي بروتستانتي وهو يلقى حتفه بالسيف.
ينظر المؤرخون الأوروبيون حالياً إلى المنطقة العربية فيرددون عبر أكثر من منبر "إنها حرب الثلاثين عاماً بوجهها الشرق أوسطي هذه المرّة". يوشكا فيشر، المثقف والسياسي الألماني المرموق، قال إنها كذلك وإنه قد مضى على انطلاقها أكثر من سبع سنوات حتى الآن. يقصد منذ تفجير مرقد الإمام العسكري في العراق.
كانت ألمانيا مسرحاً مركزياً لحرب الثلاثين عاماً "1618 ـ 1648". انفجرت الحرب الدينية، بكل أبعادها السياسية، وفجرت أوروبا. انخفض سكان ألمانيا عدة ملايين مع نهاية الحرب. كان القتلى جميعاً يموتون لأجل الله. وكان الله بروتستانتيّاً، وكاثوليكياً. اعتصرت تلك الحرب أوروبا وهزّت عقيدتها حتى الينابيع.
بحثت أوروبا وهي تقاتل نفسها عن كلمة السر، عن الخلاص. كان العقل الأوروبي يعمل، يجادل، وينتج، ويبتكر. بعد مائة عام من انتهاء تلك الحرب ستحضّر فرنسا ذاتها للثورة، وكذلك أميركا. ثم ستدخل أوروبا عصراً جديداً، ستنتقل إلى الحداثة بالمعنى السياسي والإبداعي وسيعلن نيتشه في النصف الثاني من القرن التاسع عشر "مات الإله، وما تلك الكنائس سوى شواهد قبوره" بينما هو يكتب عمله الخالد "عدو المسيح". مات الإله البروتستانتي والإله الكاثوليكي عندما أطلق التنوير الأوروبي الضوء الشديد على العالم واكتشف الإله الآخر، صديق الإنسان. لكن ذلك الإنسان سرعان ما سيصبح كولونيالياً متوحّشاً وسيكتشف العالم محدثاً حرائق بلا حصر من الجزر الأندونيسية حتى غرب القارة اللاتينية، في ألبيرو. استطاع جوزيف كونوراد مع نهاية القرن التاسع عشر في "قلب الظلام" أن يدون ظلام الكولونيالية الأوروبية. بعد أكثر من نصف قرن على صدور رواية قلب الظلام "تحديداً 58 عاماً" سيكتب الفرنسي ساتر "عارنا في الجزائر". لكن الحياة العلمانية التي منحت الإنسان حريته الشاملة سرعان ما صححت ذاتها وعالجت عارها. فبعد أن غرقت أوروبا في حربين مدمرتين اكتشفت من جديد خطيئتها الكولونيالية فابتكرت عصبة الأمم 1919، ثم مشروع الأمم المتحدة مع نهاية الحرب الثانية. ومنذ الحرب الثانية، منذ الألم الأكثر قسوة في تاريخ البشرية، تغيّر شكل الحياة العلمانية كلّياً، ولم يعد العالم خارج أوروبا مستعمرات بل أمماً. وبصرف النظر عن سياسة الرجل الأبيض خارج حدوده فقد استطاع بخياراته العلمانية الصارمة والنهائية أن يخلق توازنه الداخلي الشامل وسلامه المجيد.
بقيت الكنيسة مشعّة وشيقة ومثيرة للأشجان لكنها لم تعد كنيسة القرن الخامس عشر، لم تعد كنيسة فريدناند وإيزابيلا. إنها ببساطة كنيسة فرانسيسكو وهو يخطب من البرازيل "من أنا لأحكم على المثليين، لست الرب، والرب رحمة". كان فرانسيسكو ينأى بنفسه عن مهمة إغراق المثليين في الجحيم، مستشعراً جريمة أن يقترح المرء على الرب ما الذي ينبغي عليه فعله. في الوقت نفسه كان مجاهدو الجزيرة العربية يقولون في تسجيلاتهم "وصلّ وسلم على نبيك الذي بعث بالسيف". وعندما وقفتُ مع جموع المصلين قبل عامين في كنيسة مون مارت في باريس سرقتني لوحة في الأعلى. وبينما كان المصلّون يرددون "أيها السيد المسيح ابقَ معنا" كنتُ أقرأ على تلك اللوحة "أيها المار في باريس، أنت ترى هذه الأنور مضاءة فتدرك للتو أن ثمة أناساً يصلون لأجلك، تبرّع لكي تبقى تلك الأنوار مضاءة".
من المفارقات المثيرة في التاريخ الأوروبي أن جامعة السوربون كانت في القرن الخامس عشر هي كلية السوربون اللاهوتية، وكانت في حقيقتها اليد الخشنة للكنيسة. وعندما ابتكر أبو الأدب الفرنسي فرانسو رابليه أعماله "غارغانتوا وبانتاغرويل" فإن السوربون هاجمتها ومنعت نشرها. كانت الكنيسة تحجب النور، وكان الإله يتجلّى بروحه المقدّسة لأناس بعينهم، ولم يكن قط يشمئز من منظر الدم. وكان كل شيء يعمل في خدمة الكنيسة، بما في ذلك السوربون.
أصبح كل ذلك الخراب أثراً، أو تاريخاً غابراً. لقد وجدت أوروبا خلاصها وابتكرت الطريق الذي ينجو بها. فقبل يومين كانت إيفا هوفمان، المحررة السابقة في النيويورك تايمز، تتساءل عن ظاهرة "الهروب من الحريّة" التي تجلت لدى بعض الإرهابيين الأوروبيين. وتساءلت عمّا إذا كنت العلمانية التي منحت الإنسان الحق الكامل في أن "يعتقد، يفكر، يبتكر، يشعر، يعترض، يسعى، يتملّك" دون أن يشعر بالخوف، ما إذا كانت تلك العلمانية كافية. واقترحت إنه لا بد من صياغة حزمة من القيم الجديدة لأن العلمانية على ذلك النحو تصبح بلا هويّة، الأمر الذي سيخلق الضجر والانفلات والوحشية. وفي نقاشها أحالت إلى فرويد في ثلاثينات القرن الماضي، وتلميذه إيريك فروم وهما يتحدثان عن نوع من الكائن البشري يجد الحرية أمراً جارحاً وصعباً ومرهقاً، لذلك يفرّ منها. بالنسبة لفرويد فهذا النوع من البشر غير مكتمل النضج، تحديداً لم تكتمل عناصر الاختيار الحرّ لديه، لذا يفضل على الدوام أن يتحرر من أزمته ليصبح مملوكاً لفكرة أخرى كلية وأناس آخرين. فقد ظهر بعض الإرهابيين الأوروبيين وهم يتحدثون عبر فيديوهات مصوّرة "تعالوا، جاهدوا معنا، الجهاد يعالج الاكتئاب". لقد سلموا أنفسهم كلّياً لفكرة قاسية وحاكمة، واندمجوا معها حتى إنهم مزقوا جوزات سفرهم.
في تقديري لا علاقة لظاهرة الهروب من الحرية بالعلمانية بمعنى الشامل. الأمر هنا أشبه بفكرة الإفلات من المنظوماتية وليس الحرّية ذاتها، ولذلك تجليات كثيرة. البوهيمية مثالاً. كان الجابري في "التراث والحداثة" قد أجرى نقاشاً سريعاً للفكرة من منظور آخر. كما أن الجهاديين الأوروبيين، وهم يسعون إلى علاج الاكتئاب بالجهاد في سوريا، يشبهون على صورة ما الشاعر الفرنسي بودلير في سأم باريس، وذلك الروائي الذي ربط على قدمه حجراً كبيراً ثم ألقى بنفسه إلى النهر أو البحر لأنه لم يعد يجد من معنى للبقاء. انهيار المعنى كلّياً، معنى أن توجد وأن تكون. ذلك السؤال الذي ستوفره على الدوام الأديان على طريقتها، وستقبض من وقت لآخر على مجاميع سائمة سيحاولون تقويض المنظوماتية الصارمة عبر الانحياز إلى الأفكار الكلّية المتوحشة، كما حدث في العام 1995 في طوكيو عندما هاجم متدينون ضجرون وسئمون محطات الميترو بغاز السارين والبولي سارين.
الحياة العلمانية الديموقراطية توفّر للكائن الفرصة الشاملة لأن يصبح كائناً كلي القدرة. تعطيه الحيّز الشامل، والحوافز الكاملة، لأن يطلق قدراته كلّها. بما في ذلك أن يكون متديناً ورعاً وناسكاً يقول للشيء كن فيكون. وهو أمر مختلف كلّياً عن الحياة ضمن النسق الأرثوذوكسي، ضمن الصرامة الدينية، في إطار "الأخ الأكبر يراقبك". في الحالة الثانية ينمو بداخلك الرقيب، ثم تنتكس ككائن لتصبح مع الأيام عضواً في جمهورية خوف يحدها الإله من كل جوانبها. تتجلى الفكرة على نحو حاسم عندما نتذكر الجهادي الأردني الشهير وهو يندب أيامه السعيدة في إنغلترا بعد أن ألقي في سجون النظام الهاشمي الأردني الديني. قال أبو حمزة "كنتُ حرّاً في بريطانيا، كنتُ حرّاً". كانت انغلترا تجري نقاشاً شاملاً ومستفيضاً في كل مرّة تفكّر باستجوابه، بينما تجد الهاشمية لديها الاستعداد لسحق كرامته حتى آخر جينة متوحشة في سلالته.
في "أخلاقيات الرأسمالية" تذكّر توم بالمر تلك الدراسة المثيرة التي أجريت على مصطلح "الرأسمالية" والتي توصلت إلى أن المصطلح كان سيء السمعة على نحو لا يصدق في القرنين الثاني عشر والثالث عشر. وإن ذلك كان عائداً إلى المضامين الأخلاقية والاجتماعية لكلمة الرأسمالية بآنئذٍ. وفيما يبدو فإن الأمر يبدو، عربياً، شبيهاً بمصطلح الحياة العلمانية. فإذا كان السلفيون والإخوان تعاملوا مع المصطلح بسطحية وبلا خيال معتبرين العلمانية نظيراً للإمبريالية والحرب الصليبية، كما في مورثهم الأدبي، فإن الأمر أخذ منحى أكثر تعقيداً مع عبد الوهاب المسيري، أحد أهم المفكّرين العرب في القرن الماضي. كان بن باز يعتقد أن العلمانية تتمثل في الجينز ذلك أنه يفقد الفرد المسلم هويته ويماهيه بالآخر الكافر، طبقاً لبن باز. توقف المسيري عند الجينز أيضاً متطابقاً مع بن باز من زاوية مختلفة كليّاً ومفاجئاً. إذ بالنسبة للمسيري فالجينز مجرد حلقة في "متتالية بنيوية للعلمانية". بين هاتين الفكرتين سقطت العلمانية في حقبة سوء السمعة. أما أكثر ملامحها سوءً فقد تمثل في الديكتاتورية العربية التي أسسها نظام يوليو 1952، فقد خلقت تك الديكتاتوريات حياة علمانية متوحّشة بدلاً عن أن تطلق الكائن من خوفه فإنها ذهبت تخلق جمهوريات خوف قوّضت الكائن كلّياً. بالعودة إلى سينما السبعينات في مصر، والشعر العراقي، ورواية الربع قرن الأخير في الوطن العربي سيعثر القارئ على ملامح كارثية للنسخة العربية من العلمانية. وهي خارج حديثنا هُنا، إذ نقصد بالحياة العلمانية هنا الحياة الليبرالية في أحدث تجلياتها، أي ما بعد الحداثة السائلة.
نهضت الحروب الدينية حالياً بكل وحشيتها وجنونها. وكالعادة لعبت الشريعة الإسلامية دور بئر الزيت لهذه الحروب. أصبح لدينا عشرات الإسلامات، كل إسلام منها محارِب ومسلّح ومدرّع. فالإسلام الحوثي ينظر لكل الذين يقعون خارجه على أنهم ليسو سوى ضالين وتائهين وعملاء، وفي أحسن الأحوال غير ناضجين وبحاجة إلى ضابط إيقاع. بينما اتجه الإسلام الإخواني عقب الثورة المصرية إلى الحديث المستفيض حول جماعة الحل والعقد، ومرجعية الأزهر، ومرجعية علماء الدين. كان الإسلام الإخواني يركض بخفّة الذئب ليخلق أكبر كنيسة إسلامية معاصرة يجلس على منبرها فقيه عظيم يملك كل الحق في أن يقول لا، لتصبح تلك ال "لا" هي قانون القوانين، وكلمة الكلمات. أما الذين سيقدمون أطروحات فنية أو فلسفية ضد مجلس والحل والعقد فسينظر إليهم بوصفهم بشراً قالوا لا لله.
لم تكتمل الصورة الإخوانية لكنها اكتملت في مكان آخر، في الجنوب الغربي من الجزيرة العربية. هناك إذ يؤمن حوالي 15 ـ 20 % من الشعب بالإسلام الحوثي، بينما تقع النسبة الأكبر خارج هذا الدين، تؤمن بدين مختلف، نسخة مختلفة من الإسلام ليست فقط غير متشابهة مع الإسلام الحوثي بل متصارعة معه. فالإسلام الحوثي يجعل من فئة من الناس حكاماً بأمر الكتاب المقدّس، مبقياً خياراً وحيداً للآخرين: أن يكونوا مواطنين صالحين في دولته.
وسيقصد بالمواطن الصالح هو ذلك الذي لا يقول إن مثل هذا الدين بحاجة إلى إعادة نظر. في المجمل يحتكر الحوثي، الحاكم، الحقيقة والتأويل.
تكمن الأزمة الوجودية هُنا في حقيقة أن الزمن تغيّر كلّياً، وأن الأجيال الجديدة ـ التي هي جزء من الحياة الجديدة في العالم ـ لا يمكن إخضاعها للخرافات الدينية التي على تلك الشاكلة. إذ لا يبدو أن عشرة شباناً يسترجعون دروسهم قبل امتحان نهاية الترم يكنون أي قدر من الاحترام لفكرة إن رجلاً هو سيد الرجال لأن جدّه كان سيد الجدود. برغم إن الجيل الجديد في اليمن لم يلتحق بعد بركب الحياة العلمانية، بل تابعها عن بعد فصاغت اعتقاده وكبرياءه وخياله من السينما الأميركية إلى فن الرواية إلى قصيدة النثر إلى التكنولوجيا المذهلة، ووسائل التواصل الفائقة مع العالم .. إلخ. لقد أنجزت العلمانية كل هذا الكون الجديد عندما أطلقت الإنسان من أسره، ومن سجونه وحررّته كلّياً، ليثبت كم هو قوي وجبار وكم أن خياله لا يحد. في هذا الوجود الجديد سيصعب تشغيل أوهام الحوثي، كما سيكون من المستحيل أن يشغل الدينيون الآخرون أوهامهم وخيالاتهم القديمة، تلك التي تعود إلى الحقبة البعيدة عندما كان العالم يقسم إلى "مسلمين وغير مسلمين" أو "دار إسلام ودار كفر".
إذ، وياللغرابة، كان الإمام مالك يعرّف دار الكفر بأنها تلك الدار التي لا يأمن فيها الفرد على نفسه وماله وأهله، وهي مواصفات تنطبق على مصر واليمن والسعودية والأردن، وعلى مكة والمدينة، ولا تنطبق على أسبانيا ولا نيوزيلاندا.
سيجد الحوثي صعوبة تاريخية في أن يقنع الناس بأنه شخص عاقل، أو على الأقل أنه يمكن دمجه في الحضارة بيسر. كما إن الإسلامات الأخرى لن تقف مكتوفة الأيدي، وستبدو محاولة الحوثي لتمرير تصوره الديني بقوة السلاح أمراً شبيهاً بالظاهرة الاستعمارية، وسينظر إلى ثكناته المسلحة بوصفها مفارز للعدو، الذي لن تمر أيام كثيرة قبل أن يداهمه الخوف والقلق ثم سيسكنه إلى الأبد.
في هذه الأزمة المركبة يبدو الخروج من هذا الجنون عبر حياة علمانية ديموقراطية تميز الطريق بين الله والقيصر، وتمنح الحق الكامل للحوثي والزنداني والعامري في أن يكونوا قديسين وملائكة في حوزاتهم ومعاهدهم، كما يحلو لهم. بفارق جوهري وهو أن تنزع منهم الحق في أن يصدروا أوامرهم إلى أي مزيد من البشر.
تلك الحياة الفائقة الجديدة التي يموت العرب والمسلمون في البحار والمحيطات بحثاً عنها باعتبارها حلم الأحلام، والعجل المقدّس، والخلاص الإلهي النبيل، هي الطريق. وهي،كما نعلم، صعبة المنال، وعصية لأن أصعب خصومها ليس الحوثي والزنداني وحسب، بل أولئك الذين تهدف إلى تحريرهم. وهم الذين تحدث عنهم إيريك فروم وفرويد في ثلاثينات القرن المنصرم: الهاربون من الحرّية.
م. غ.

منذ اليوم الأول

حذيفة زوبع، نجل القيادي الإخواني المعروف حمزة زوبع يعطي صورة واضحة ومفزعة لجماعته من الداخل:
1 )
ﻣﻨﺬ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍﻷﻭﻝ ﻟﻼﻧﻘﻼﺏ ﻭﺃﻧﺘﻢ ﺗﻜﺬﺑﻮﻥ ﻭﺗﺘﺤﺮﻭﻥ ﺍﻟﻜﺬﺏ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻔﺴﻜﻢ، ﻭﻋﻠﻴﻨﺎ
ﺩﻭﻥ ﺃﻱ ﺍﺳﺘﺸﻌﺎﺭ ﻟﻠﻤﺴﺌﻮﻟﻴﺔ ﻭﺩﻭﻥ ﺃﻱ ﻣﺒﺮﺭ ﺷﺮﻋﻲ، ﺃﻭ ﺃﺧﻼﻗﻲ، ﺃﻭ ﺣﺘﻰ
ﺳﻴﺎﺳﻲ .
ﺃﺗﺬﻛﺮﻭﻥ ﻗﺎﺋﺪ ﺍﻟﺠﻴﺶ ﺍﻟﻤﻴﺪﺍﻧﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﻧﺸﻖ ﻭﺃﻋﻠﻦ ﺗﺄﻳﻴﺪﻩ ﻟﻠﺮﺋﻴﺲ ﺍﻟﺸﺮﻋﻲ؟، ﺃﻡ
ﺗﺬﻛﺮﻭﻥ ﺍﻟﻘﺎﺋﺪ ﺍﻵﺧﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻣﻬﻞ ﺍﻟﺴﻴﺴﻲ 24 ﺳﺎﻋﺔ ﻹﻋﺎﺩﺓ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ
ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭﻳﺔ؟
ﻫﻞ ﺗﺬﻛﺮﻭﻥ ﺃﻣﺮﻳﻜﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻋﻠﻨﺖ ﺃﻥّ ﻣﺎ ﺣﺪﺙ ﺍﻧﻘﻼﺑًﺎ، ﻭﻟﻴﺲ ﺛﻮﺭﺓ؟
ﺃﻡ ﺗﺬﻛﺮﻭﻥ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﺘﺤﺪﺙ ﺍﻟﺴﺒﺖ ﻭﻳﻌﻮﺩ ﻣﺮﺳﻲ ﺍﻷﺣﺪ؟
ﻫﻞ ﺗﺬﻛﺮﻭﻥ “ ﺳﺘﺔ ﺃﻛﺘﻮﺑﺮ .. ﺟﻴﻢ ﺃﻭﻓﺮ ” ﺛﻢ ﻗﺘﻠﻨﺎ ﻛﺎﻟﻌﺎﺩﺓ ﺩﻭﻥ ﺟﺪﻳﺪ؟
ﻫﻞ ﺗﺘﺬﻛﺮﻭﻥ ﺷﺒﻴﻪ ﺍﻟﺴﻴﺴﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﺣﻞ ﻣﺤﻞ ﺍﻟﺴﻴﺴﻲ ﺍﻷﺻﻠﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻗﺘﻞ ﻳﻮﻡ
17 ﺃﻛﺘﻮﺑﺮ ﺑﺜﻼﺙ ﺭﺻﺎﺻﺎﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﺒﺤﺮﻳﺔ ﺑﺎﻹﺳﻜﻨﺪﺭﻳﺔ؟
ﺃﻡ ﺗﺬﻛﺮﻭﻥ ﺍﻻﻧﻘﻼﺏ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﺮﻧﺢ ﺗﺮﻧﺢ ﺍﻟﻌﺠﻞ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺳُﺤﺒﺖ ﺍﻟﺴﻜﻴﻨﺔ ﻣﻦ ﻋﻠﻰ
ﺭﻗﺒﺘﻪ؟
ﻫﻞ ﺗﺘﺬﻛﺮﻭﻥ 25 ﻳﻨﺎﻳﺮ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺩﻓﻌﺘﻢ ﺑﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻴﺎﺩﻳﻦ ﺩﻭﻥ ﺧﻄﺔ ﺃﻭ
ﺭﺅﻳﺔ ﺃﻭ ﺍﺳﺘﺮﺍﺗﻴﺠﻴﺔ – ﻛﺎﻟﻌﺎﺩﺓ – ﺛﻢ ﻗﺘﻠﻨﺎ ﻛﺎﻟﻌﺎﺩﺓ؟
ﻫﻞ ﺗﺘﺬﻛﺮﻭﻥ ﻛﻞ ﻣﺮﺓ ﻛﺬﺑﺘﻢ ﻓﻴﻬﺎ؟
ﻫﻞ ﺗﺘﺬﻛﺮﻭﻥ ﻛﻢ ﻣﺮّﺓ ﺗﻼﻋﺒﺖ ﺑﻜﻢ ﺃﺟﻬﺰﺓ ﺍﻷﻣﻦ ﻭﺍﻻﺳﺘﺨﺒﺎﺭﺍﺕ؟
ﻳﺎ ﺳﺎﺩﺓ ﻳﺎ ﻛﺮﺍﻡ ﺃﻳُّﻬﺎ ﺍﻟﻘﺎﺋﻤﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺃﻣﺮ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﺍﻹﺧﻮﺍﻥ، ﺇﻥ ﺃﺣﺴﻨّﺎ ﺍﻟﻈﻦ ﺑﻜﻢ
ﻓﺄﻧﺘﻢ ﻋﻠﻰ ﺃﺣﺴﻦ ﺗﻘﺪﻳﺮ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﺭﻭﺍﻳﺶ ﺍﻟﺴُﺬﺝ ﻋﻠﻰ ﺻﻠﺔ ﻭﺛﻴﻘﺔ ﺑﺬﻟﻚ
ﺍﻟﻤُﻐﻔﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺧﺬ ﻣﺌﺔ “ ﻗﻔﺎ” ﻋﻠﻰ ﺳﻬﻮﺓ .
( 2 )
ﻳﺎ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﺍﻹﺧﻮﺍﻥ، ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﺴﺎﺣﺎﺕ ﻛﺎﻓﻴﺔ ﻟﻠﻤﻨﺎﻭﺭﺓ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺄﺛﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺿﻊ
ﺑﺸﻜﻞ ﻓﻌﺎﻝ ﺃﻭ ﻣﺆﺛﺮ، ﺃﻧﺘﻢ ﺗﻤﻠﺆﻭﻥ ﻛﻞ ﺍﻟﻤﺴﺎﺣﺎﺕ ﻭﻻ ﺗﻘﺒﻠﻮﻥ ﻧﺼﺤًﺎ ﻭﻻ ﺗﻮﺟﻴﻬًﺎ
ﻣﻦ ﻋﺪﻳﻤﻲ ﺍﻟﺨﺒﺮﺓ ﺃﻣﺜﺎﻟﻲ . ﻭﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﺃﻧﻜﻢ ﺗﻤﻠﺆﻭﻥ ﻛﻞ ﺍﻟﻤﺴﺎﺣﺎﺕ ﺍﻟﻤﻤﻜﻨﺔ
ﺣﺘﻰ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺗُﺠﻴﺪﻭﻥ ﺍﻟﻠﻌﺐ ﻓﻴﻬﺎ، ﺛﻢ ﺗﻨﺎﺩﻭﻥ ﺑﺼﻮﺕ ﻋﺎﻝٍ ﻟﺘﻘﻮﻟﻮﺍ ﺃﻥ ﺍﻟﺴﺎﺣﺔ
ﺗﺘﺴﻊ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ !
ﻭﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺃﻥّ ﺍﻟﻘﺎﺋﻤﻴﻦ ﺣﺎﻟﻴًﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻻ ﻳﺠﻴﺪﻭﻥ ﺍﻟﻠﻌﺐ ﻋﻠﻰ ﺃﻱّ ﻣﺴﺘﻮﻯ
ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﻳﺎﺕ، ﻓﻌﻨﺪ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ ﺍﻟﻔﻌﻞ ﺍﻟﺜﻮﺭﻱّ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ، ﻻ ﺗﺬﻛﺮﻭﻥ ﺳﻮﻯ
ﺍﻟﻤﺴﻴﺮﺍﺕ ﺍﻟﻤﻨﺎﻫﻀﺔ ﻟﻼﻧﻘﻼﺏ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﻸ ﻣﺮﺑﻌﺎﺕ “ ﺍﻟﺠﺰﻳﺮﺓ ﻣﺒﺎﺷﺮ ﻣﺼﺮ”،
ﻭﺍﻟﺴﻠﻤﻴﺔ ﺍﻟﻤﺒﺪﻋﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺃﻋﺮﻑ ﻟﻬﺎ ﺗﻌﺮﻳﻔًﺎ ﻣﻊ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺠﻤﻞ ﺍﻟﻤﻜﺮﺭﺓ ﻣﺜﻞ “ ﺣﺎﻥ
ﻣﻮﻋﺪ ﺍﻟﻘﺼﺎﺹ ”، ﺃﻣّﺎ ﻋﻦ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻓﺤﺪﺙ ﻭﻻ ﺣﺮﺝ، ﻻ ﻳُﺬﻛﺮ ﺳﻮﻯ ﻣﺼﻄﻠﺤﺎﺕ
ﻋﻠﻰ ﺷﺎﻛﻠﺔ ﺍﻟﻤﺼﺎﻟﺤﺔ ﻭﺍﻟﻬﺪﻧﺔ ﻭﻳﺘﻢ ﻧﻔﻴﻬﺎ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﻓﺎﺋﻘﺔ، ﻭﻛﺄﻥ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﻳُﻌﺎﻧﻲ
ﻭﻳﻨﺘﻈﺮ ﻣﻮﺍﻓﻘﺘﻬﻢ !
ﺃﻣّﺎ ﺃﻥ ﺗﻄﺎﻟﺒﻬﻢ ﺑﺘﻮﺻﻴﻒ ﺩﻗﻴﻖ ﻟﻠﻮﺿﻊ ﺍﻟﺤﺎﻟﻲّ ﻳﺘﻢ ﻋﻠﻰ ﺃﺳﺎﺳﻪ ﻋﻤﻞ ﻭﺍﺿﺢ،
ﻓﻬﻞ ﻧﺤﻦ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻧﻘﻼﺏ ﺃﻡ ﺍﺣﺘﻼﻝ؟ ﺃﻭ ﺃﻥ ﺗﻄﻠﺐ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻮﻗﻔًﺎ ﻭﺍﺿﺤًﺎ ﻣﻦ ﺩﺍﻋﺶ
ﻭﺗﻤﺪﺩﻫﺎ؟ ﺃﻭ ﺃﻥ ﺗﻄﻠﺐ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻮﻗﻔًﺎ ﻭﺍﺿﺤًﺎ ﻣﻦ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺗﻘﺴﻴﻢ ﺍﻟﺸﺮﻕ
ﺍﻷﻭﺳﻂ ﺍﻟﺠﺎﺭﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﻗﺪﻡٍ ﻭﺳﺎﻕ؟ ﺃﻭ ﺃﻥ ﺗﺴﺄﻟﻬﻢ ﻟﻤﺎﺫﺍ ﺗﻢ ﻃﺮﺩﻫﻢ ﻣﻦ ﻗﻄﺮ؟
ﻓﻬﺬﻩ ﻣﻀﻴﻌﺔ ﻟﻠﻮﻗﺖ ﻭﺭﻓﺎﻫﻴﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﺴﻤﻮﺡ ﺑﻬﺎ !
ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺤﺎﻭﻝ ﺃﺣﺪ ﻣﺤﺎﺳﺒﺘﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺎﺣﺎﺕ ﺍﻟﻤُﻬﺪﺭﺓ
ﻭﺍﻟﻔﺮﺹ ﺍﻟﻀﺎﺋﻌﺔ ﻭﺍﻷﺳﺌﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺇﺟﺎﺑﺔ ﻟﻬﺎ، ﻳﺘﺤﺠﺠﻮﻥ ﺑﺄﻧﻪ “ ﻣﺶ ﻭﻗﺘﻪ “،
ﻭﺇﻧﻪ ﻣﻴﻨﻔﻌﺶ ﻹﻧﻨﺎ ” ﻣﺶ ﻓﻲ ﺷﺮﻛﺔ ﻋﺸﺎﻥ ﻧﺘﺤﺎﺳﺐ .”
ﺇﺫًﺍ، ﻣﺎﺫﺍ ﺗﻔﻌﻞ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﺍﻹﺧﻮﺍﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﺍﻵﻥ ﻓﻌﻠﻴًّﺎ، ﻻ ﺷﻲﺀ
ﺳﻮﻯ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﻨﺘﻈﺮ ﺃﻥ ﻳﺄﺗﻲَ ﺃﺣﺪﻫﻢ ﻟﻴﻄﻴﺢ ﺑﺎﻟﺴﻴﺴﻲ ﻓﺘﻤﻸ ﻫﻲ ﺍﻟﻔﺮﺍﻍ ﺍﻟﻤﺘﻮﻗﻊ
ﺣﺪﻭﺛﻪ، ﺗﻨﺘﻈﺮ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺍﻧﺘﻈﺮﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻤﺴﻴﻨﺎﺕ ﺃﻥ ﻳﻄﻴﺢ ﺃﺣﺪﻫﻢ ﺑﻌﺒﺪ ﺍﻟﻨﺎﺻﺮ .
ﻭﺍﻟﻤﺼﻴﺒﺔ ﺃﻧّﻬﻢ ﻏﻴﺮ ﻣﺆﻫﻠﻴﻦ ﻟﻤﻞﺀ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﺮﺍﻍ ﺇﻥ ﻧﺸﺄ . ﻓﺎﻟﻮﺟﻮﻩ ﻫﻲ ﻧﻔﺲ
ﺍﻟﻮﺟﻮﻩ ﻭﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﻟﻢ ﺗﺘﻐﻴﺮ ﻭﺍﻟﺘُﺠﺮﺑﺔ ﻟﻢ ﺗُﺪﺭﺱ ﺑﻌﺪ ﻟﻴﺴﺘﻔﺎﺩ ﻣﻨﻬﺎ، ﺣﺘﻰ ﺍﻟﺸﺒﺎﺏ
ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﻢ ﻭﺿﻌﻬﻢ ﻓﻲ ﺃﻣﺎﻛﻦ ﻗﻴﺎﺩﻳﺔ – ﺇﻥ ﺣﺪﺙ - ﻓﻼ ﺑﺪ ﺃﻥ ﻳﺸﺒﻬﻮﺍ ﻗﺎﺩﺗﻬﻢ ﻭﺇﻟّﺎ
ﻣﺎ ﺗﻢ ﺗﺼﻌﻴﺪﻫﻢ ﺑﺎﻷﺳﺎﺱ .
ﻭﺇﻥ ﺣﺎﻭﻟﻨﺎ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﻷﺻﻞ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﺳﻨﺠﺪ ﺃﻥ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻻ ﺗﻌﺮﻑ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻫﺪﻓﻬﺎ
ﺃﺻﻼً، ﻻ ﺗﻌﺮﻑ ﺣﺠﻤﻬﺎ ﻭﺃﺩﻭﺍﺗﻬﺎ ﻟﺘﺤﺪﺩ ﺃﻫﺪﺍﻓﻬﺎ ﺑﺎﻷﺳﺎﺱ؟ ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﻻ
ﺍﻟﺤﺼﺮ ﻟﻸﺳﺌﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﺇﺟﺎﺑﺎﺗﻬﺎ ﺑﺤﺴﺐ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﺍﻟﻤﺰﺍﺟﻴﺔ ﻟﻠﺴﺎﺩﺓ
ﺍﻟﻤﺴﺌﻮﻟﻴﻦ، ﻫﻞ ﺍﻟﻬﺪﻑ ﺩﻭﻟﺔ ﻣﺪﻧﻴﺔ ﺣﺪﻳﺜﺔ ﻟﻬﺎ ﺣﺪﻭﺩ ﻭﺍﺿﺤﺔ ﺃﻡ ﺍﻟﻬﺪﻑ ﻫﻮ
ﺃﺳﺘﺎﺫﻳﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ؟
ﻧﺤﻦ ﺃﻣﺎﻡ ﻗﻴﺎﺩﺓ ﺗﺎﺋﻬﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﺪﺭﻛﺔ ﻟﻠﻮﺍﻗﻊ ﺍﻟﺬﻱ ﻳُﻌﺎﺩ ﺗﺸﻜﻴﻠﻪ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻬﺎ، ﻭﻻ
ﻳﻌﺮﻓﻮﻥ ﺳﻮﻯ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺠُﻤﻞ ﺍﻟﻤﺤﻔﻮﻇﺔ ﻣﺜﻞ : “ ﻧﺤﻦ ﻋﺎﻧﻴﻨﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻈﻠﻢ ﻭﺍﻟﺴﺠﻮﻥ
ﻭﺍﻟﻘﻬﺮ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﻭﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﻌﺐ ”، ﺃﻭ “ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﺍﻹﺧﻮﺍﻥ ﺃﻛﺒﺮ
ﺟﻤﺎﻋﺔ ﺇﺳﻼﻣﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺗﺘﻮﺍﺟﺪ ﻓﻲ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺛﻤﺎﻧﻴﻦ ﺩﻭﻟﺔ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ”، ﺃﻭ
“ ﻛﺎﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﺆﺍﻣﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﺍﻟﻤﻨﺘﺨﺐ ﻹﻓﺸﺎﻟﻪ ”، ﺇﻟﻰ ﺁﺧﺮ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠُﻤﻞ
ﺍﻟﻤﺨﺪﺭﺓ . ﻭ ” ﺃﺻﻴَﻊ” ﺃﻓﻜﺎﺭﻫﻢ ﺗﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ ﺃﻧﻬﻢ ﺳﻴﻀﺤﻜﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻐﺮﺑﻲ
ﻭﻳﺨﺒﺮﻭﻧﻪ ﺃﻧﻬﻢ ﻣﺆﻣﻨﻮﻥ ﺑﺎﻟﺪﻳﻤﻘﺮﺍﻃﻴﺔ ﺣﺘﻰ ﺇﺫﺍ ﺗﻤﻜﻨﻮﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﻛﻮﻧﻮﺍ
ﺍﻗﺘﺼﺎﺩًﺍ ﻗﻮﻳًّﺎ ﻓﻲ “ ﺍﻟﺨﻔﺎﺀ” ﻭﺑﺬﻟﻚ ﻳﺘﺤﺮﺭﻭﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻬﻴﻤﻨﺔ ﺍﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﻋﻠﻴﻬﻢ
ﻭﻳﺒﺪﺃﻭﻥ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﻤﻮﺍﺟﻬﺔ ﻭﺍﻟﺼﺪﺍﻡ ﻭﺗﺤﺮﻳﺮ ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ .
ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﻫﺬﻩ ﻫﻲ ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻳﻘﻮﺩﻫﺎ ﺃﺷﺨﺎﺹ ﺃﻭﺟﺪﺕ
ﺍﻟﺼﺪﻓﺔ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻓﻲ ﺃﻣﺎﻛﻦ ﺍﻟﻘﻴﺎﺩﺓ، ﻭﺁﺧﺮﻭﻥ ﺣﺼﻠﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﺃﻣﺎﻛﻨﻬﻢ ﻷﻧﻬﻢ ﺗﻌﺮﺿﻮﺍ
“ ﻻﺑﺘﻼﺀ ” ﺍﻟﺴﺠﻦ ﻟﺴﻨﻴﻦ ﻃﻮﻳﻠﺔ، ﻭﺟﺰﺀ ﻟﻴﺲ ﺑﺎﻟﻴﺴﻴﺮ ﺧﺪﻣﺘﻪ ﻋﻼﻗﺎﺗﻪ
ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺮﻗﻲ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ .
“ ﻛﻞ ﺇﻧﺎﺀ ﻳﻨﻀﺢ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻪ .”
( 3 )
ﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﻛﻠﻤﺔ “ ﺣﻞ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ” ﺛﻘﻴﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺎﻣﻌﻜﻢ ﻓﺎﺳﺘﺒﺪﻟﻮﻫﺎ ﺑﺄﻱ ﻣﺼﻄﻠﺢ
ﺗﺮﻳﺪﻭﻥ “ ﺗﻌﻠﻴﻖ ﺍﻟﻨﺸﺎﻁ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ” ﻣﺜﻼً؟
ﺃﻳًّﺎ ﻛﺎﻥ، ﺣﻞ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ “ ﻗﺪ” ﻳﻜﻮﻥ ﺣﻼً ﻣﻨﺎﺳﺒًﺎ ﻹﻋﺎﺩﺓ ﺭﺳﻢ ﺍﻟﻤﺸﻬﺪ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻣﻦ
ﺟﺪﻳﺪ ﻭﺧﻠﻖ ﻣﺴﺎﺣﺎﺕ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻭﻛﺒﻴﺮﺓ ﻳﺘﻢ ﺇﺭﺑﺎﻙ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ، ﻭﻋﺪﻡ
ﺗﺤﻤﻴﻞ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﺃﺣﻤﺎﻻً ﻫﻲ ﻓﻲ ﻏﻨﻰ ﻋﻨﻬﺎ .
ﻭﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ “ ﺣﻞ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ” ﻭﺭﻗﺔ ﻳﺘﻢ ﺍﻟﺘﻠﻮﻳﺢ ﺑﻬﺎ ﻟﻠﺘﻔﺎﻭﺽ ﻣﻊ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﻋﻠﻰ
ﺃﺭﺿﻴﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻹﻓﺮﺍﺝ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻌﺘﻘﻠﻴﻦ ﻭﻭﻗﻒ ﺍﻷﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﺼﺎﺩﺭﺓ ﻓﻲ ﺣﻘﻬﻢ
ﻭﻋﺪﻡ ﺍﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﺍﻟﺪﻣﻮﻱ ﻣﻊ ﺍﻟﻘﻴﺎﺩﺍﺕ ﺃﺣﺪ ﺃﺳﺎﺳﺎﺕ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺭﺿﻴﺔ .
ﻭﻓﻲ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻮﻗﺖ، ﺗُﻌﻴﺪ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﺗﺮﺗﻴﺐ ﺃﻭﺭﺍﻗﻬﺎ ﺩﺍﺧﻠﻴًّﺎ ﻭﺗﺤﺪﺩ ﺃﻫﺪﺍﻓﻬﺎ
ﺑﻮﺿﻮﺡ ﻭﺗﺠﻴﺐ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﺴﺎﺅﻻﺕ ﺍﻟﻤﺒﻬﻤﺔ، ﻭﺗﺨﻠﻖ ﻛﻮﺍﺩﺭ ﻭﻧﺨﺒﺔ ﻭﻗﻴﺎﺩﺓ ﺟﺪﻳﺪﺓ
ﻭﺍﻋﻴﺔ ﺗﻘﻮﺩ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻓﻲ ﻇﺮﻑ ﺇﻗﻠﻴﻤﻲِّ ﻭﺗﺎﺭﻳﺨﻲّ ﺣﺴﺎﺱ .
ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﺳﻴﺤﺪﺙ ﻓﺮﺍﻍ ﻛﺒﻴﺮ ﻟﻦ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﺣﺪﻫﻢ ﺃﻥ ﻳﻤﻸﻩ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻐﻴﺐ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ
ﻋﻦ ﺍﻟﺴﺎﺣﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻴﺔ ﻭﺍﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ، ﻣﻤﺎ ﻗﺪ ﻳﻌﻨﻲ ﻣﺴﺘﻘﺒﻼً ﺃﻥ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺳﺘﻘﺮﺭ ﺍﻟﻌﻮﺩﺓ ﺳﺘﻌﻮﺩ ﺑﺸﺮﻭﻃﻬﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﺘﻔﺮﺿﻬﺎ .
ﻫﺬﻩ ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻟﻴﺴﺖ ﺩﻋﻮﺓ ﻟﻠﺮﺿﺎ ﺑﺎﻷﻣﺮ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﻭﺍﻻﺳﺘﺴﻼﻡ ﻟﻠﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﻘﻤﻌﻴﺔ،
ﻭﻟﻜﻨّﻪ ﺍﻗﺘﺮﺍﺡ ﻷﺧﺬ ﺯﻣﺎﻡ ﺍﻟﻤﺒﺎﺩﺭﺓ ﻭﺍﻻﻧﺘﻘﺎﻝ ﻣﻦ ﺭﺩ ﺍﻟﻔﻌﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﻌﻞ، ﻋﻞّ ﻣﺴﺎﺭ
ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻳﺘﻐﻴﺮ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺮﺓ .
( 4 )
ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ، ﻋﺎﻣﻠﻜﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻌﺪﻟﻪ ﻻ ﺑﻔﻀﻠﻪ ﻳﺎ ﻣﻦ ﺃﻭﺭﺛﺘﻤﻮﻧﺎ ﺍﻟﺬﻝ ﻭﺍﻟﻬﻮﺍﻥ ﻭﺃﺧﻼﻕ
ﺍﻟﻌﺒﻴﺪ ﻭﺟﻌﻠﺘﻤﻮﻫﻢ ﻣﺒﻠﻎ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻭﺫﺭﻭﺗﻬﺎ، ﻋﺎﻣﻠﻜﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻌﺪﻟﻪ ﻻ ﺑﻔﻀﻠﻪ ﻳﺎ ﻣﻦ
ﻟﻘﻨﺘﻤﻮﻧﺎ ﺻﻐﺎﺭًﺍ ﺃﻥ ﺍﻻﻋﺘﻘﺎﻝ ﻭﺍﻟﺘﻌﺬﻳﺐ ﺑﻄﻮﻟﺔ ﺗﺴﺘﺤﻖ ﺍﻟﺘﻜﺮﻳﻢ .
ﺭﺍﻓﻘﺘﻜﻢ ﺍﻟﺴﻼﻣﺔ

كلمة وزير الثقافة في فعالية توقيع رواية جدائل صعدة


كلمة وزير الثقافة في فعالية توقيع رواية جدائل صعدة